Admin Admin
عدد المساهمات : 415 تاريخ التسجيل : 08/08/2009 العمر : 53
| موضوع: لو لم أكن " عربياً " ... لوددت أن أكون " قرقيزياً "د. أشرف نجم الإثنين أبريل 19, 2010 2:21 pm | |
| لم أكن " عربياً " ... لوددت أن أكون " قرقيزياً " د. أشرف نجمanigm@yahoo. com http://www.facebook .com/?ref= home استبد الطاغية وظلم، فحكم البلاد بالحديد والنار، وأذاق العباد مُرَّ العذاب، فانتشر الشر والفساد في كل مكان، وعجزت حكوماته المتتالية عن تلبية مطالب المواطنين البسيطة من قوت وسكن وأمن وحرية ... وقرّب أهله وذويه .. وفي النهاية تطلع لاستخلاف نجله. وكانت النتيجة الحتمية ... تنمية منهارة، فقر يضرب أطنابه، تعليم غير فعال يتخلف يوماً بعد يوم، وشهادات لا قيمة لها ... ثم تتابعت النتائج السوداء، هزائم في كل ميدان، وفشل يتوالى يومياً، ومشاريع كثيرة تنهار. المشهد العام إذاً أضحى خالياً من بصيص أمل، والمشهد السياسي وصل إلى طريق مسدود، فالطاغية وحزبه الحاكم يستبد بكل شيء، وأجهزته الأمنية تعبث في طول البلاد وعرضها، تروع الآمنين، وتعتقل كل من ينبت ببنت شفة ... أما المعارضة فهي إما ألعوبة في يد الطاغية وأزلامه، أو أحزاب صغيرة مهمشة لا حول لها ولا قوة، أو معارضة شعبية تعاني البطش والتنكيل الدائم. أما المواطن فتائه ضائع وسط هذا الركام، ما يزال يبحث عن نذر يسير من حقوقه المسلوبة، فقد سقطت الحقوق السياسية في صناديق اقتراع مثقوبة إن وجدت، وسقطت الحقوق الاقتصادية في جيب الطاغية وأبنائه وأتباعه ... وسقطت كرامة المواطن على يد أجهزة أمن لا تعرف لكرامة الإنسان وحقوقه أي معنى. هذه الصورة السوداء تشترك فيها بلادي – بنسب متفاوتة - مع العديد من البلاد العربية وبلاد العالم الثالث ... ولكن ... هل النتيجة عندنا وعندهم واحدة؟ شأني شأن العديد من الطلاب في جيلنا ... كثيراً ما شاركت في المظاهرات الطلابية التي كانت تجوب الجامعة تطالب بالإصلاح السياسي والاقتصادي، والعدالة الاجتماعية، أو تدافع عن حقوق الطلاب ومطالبهم، أو تتفاعل مع اشتعال الأحداث في فلسطين أو العالم الإسلامي ... كانت المظاهرات بعشرات الآلاف، والحماسة تمتلئ بها القلوب، فتندفع من الحناجر هتافات تملأ الآفاق .. ثم تنتهي المظاهرة – غالباً – إلى لا شيء ... كنت أتساءل بيني وبين نفسي: لماذا لا يندفع قادة المظاهرات – وأغلبهم من الإسلاميين - بهذه الآلاف المؤلفة من الطلاب المتحمسين إلى خارج الجامعة .. ولا يعودوا حتى يحققوا مطالبهم .. فيصنعوا التاريخ؟ ظللت في حيرة زمناً .. حتى جاءتني الإجابة ... مع الانتفاضة المباركة في أرض فلسطين انتفضت الجامعة، وخرجت مظاهرة طلابية حاشدة لم أر لها مثيلاً، عشرات الآلاف من الطلاب الثائرين ... جابت المظاهرة الجامعة كالعادة، ثم اقتربت من الباب الرئيسي، وأعلن قادة المظاهرة أنهم سيخرجون بها إلى خارج الجامعة، وسيسيرون ليعلنوا احتجاجهم أمام سفارة العدو التي تبعد مئات الأمتار منا فقط ... وحين خرجت المظاهرة بضعة أمتار إلى خارج الباب التفت فوجدت أننا أصبحنا بضع مئات، ولم ينضم إلينا أحد من الجماهير التي كانت تسير في الشوارع .. وما هي إلا لحظات حتى انقضت علينا جحافل "الأمن المركزي" ففرقت الجموع في عنف. بعد تخرجي .. وفي اليوم التالي لمذبحة الحرم الإبراهيمي، التي أقدم فيها مجرم صهيوني على قتل المسلمين وهم يصلون ... وقفت على الرصيف في أكبر ميادين العاصمة أنتظر توقف السير لأعبر الطريق، وما أن دقت الساعة دقتين معلنة عن الثانية ظهراً حتى حدث ما لم يكن بالحسبان ... مئات اليافطات انتشرت في الميدان، وعشرات الآلاف من المتظاهرين المنظمين، يهتفون في حماس: "خيبر خيبر يا يهود .. جيش محمد سوف يعود". كنت أقف بجوار أحد ضباط المرور، فرأيت على وجهه علامات الرعب، وأخرج جهاز اللاسلكي وبدأ يطلب النجدة لوجود "مظاهرة" في الميدان ... وقفت مع المتظاهرين أردد هتافاتهم .. وما دفعني إلى ذلك إلا أن هذه الهتافات كانت في داخلي وتنتظر الفرصة لتخرج للفضاء ... ورأيت تعاطفاً كبيراً من الجمهور في الشارع والحافلات، وكان بعضهم يردد الدعاء للمتظاهرين بالتوفيق، والدعاء على اليهود باللعنة .. لكن القليل هو من انضم إلى المتظاهرين أو ساندهم .. وكنت أيضاً أتساءل داخلي: لماذا لا ينضم الناس لهذه المظاهرة بمئات الآلاف ليسيروا إلى سفارة العدو ويعلموهم درساً لا ينسونه؟ وجاءني الجواب سريعاً ... استمر المشهد كذلك خمس عشرة دقيقة بعدها سمعنا أصوات سيارات "الأمن المركزي" تعلن أنهم قد وصلوا ... وكما ظهر المتظاهرون المنظمون ولافتتاتهم فجأة .. اختفوا جميعاً فجأة ... ولم يجد الأمن المركزي هذه المرة من يوسعه ضرباً أو يقذفه بقنابله المسيلة للدموع .. لقد أراد هؤلاء – وأحسبهم من الإخوان المسلمون – أن يعبروا عن ضمير الشعب وتضامنه مع إخوانه في فلسطين، ولكنهم كانوا على يقين أن لا أحد سينضم إليهم ... فلجأوا لتلك الحيلة البارعة. هكذا هو الحال في بلادي إذن ... الجماهير قد تتعاطف وتؤيد، ولكنها نادراً ما تتحرك لتدافع عن حقوقها المسلوبة، أو حتى لتعبر عن آرائها المكبوتة .. فهل الحال عندهم مثلنا ؟ "قرقيزيا" ... دولة صغيرة محشورة في جبال وسط آسيا، هي ثاني أصغر دول آسيا الوسطى، مساحتها لا تتعدي عـُشر مساحة بلدي، وسكانها خليط من الأجناس معظمهم قرقيز وأوزيك وروس، عددهم لا يبلغ الستة ملايين، 80% منهم مسلمون ... هذه الدولة الصغيرة استقلت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي يوم 31 أغسطس/آب 1991 .. وينص دستورها الذي أقر في مايو/أيار 1993 على أنها دولة علمانية، وعلى الفصل بين سلطات الدولة الثلاث. ذاق الشعب القرقيزي مر العذاب على يد السلطات السوفيتية الشيوعية، فغابت الحريات وعمَّ البطش بكل معترض .. وكانت النتيجة الحتمية، فساد وفقر كبيرين، فلم تتعدَ نسبة النمو 1% بينما ارتفعت معدلات التضخم إلى 7.9% وظلت نسبة البطالة في تزايد مستمر حتى وصلت 18%، ووصل الدين الخارجي حوالي 3.467 مليار دولار. بعد الاستقلال ... انتخب الشعب قائداً منهم هو "عسكر أخاييف" .. وكانت آمال الشعب الفقير الذي ذاق لأول مرة منذ قرون طعم الحرية عريضة في رئيسه الجديد، غير أنه خيب الآمال .. ما أن وصل لسدة الحكم حتى استبد وطغى، وقرب معارفه وأقاربه، وتجاهل أحلام شعبه .. ثم زور استفتاءً زاد فيه من سلطاته، واقتطع من سلطات البرلمان "المجلس الأعلى". الصورة إذاً شبيهة بالوضع في بلادي ... لكن .. ماذا فعل الشعب القرقيزي؟ ... خرج الشعب في مظاهرات عارمة، وقامت ثورة شهيرة عرفت باسم "ثورة الزنبق" عام 1995 .. ولم تنته حتى أسقطت الطاغية، وألغت التعديلات الدستورية الجائرة .. ونصبت "كرمان بك باكاييف" خلفاً له. أصبحت الصورة الآن ليست شبيه بالحال في بلادي ... لكن ... ما هي تكملة القصة؟ لم تتغير الأمور كثيراً مع تنصيب الرئيس الجديد، فلم ينته الفساد والمحسوبية، وارتمى الرئيس وحكومته في أحضان أميركا والغرب، وتجاهل شعبه ومطالبه، فازدادت الأمور سوءاً .. وانتهى المشهد بانتخابات مزورة، جددت للرئيس فترة حكمه، وجهزت لتولي ابنه من بعده. عاد المشهد ليشبه الوضع في بلادي ... فماذا فعل الشعب القرقيزي؟ ... خرج الشعب عن بكرة أبيه، في مظاهرات عارمة بمئات الآلاف في عشرات المدن، يدافع عن حريته وحقوقه، ويعلن رفضه للتزوير و"التوريث" ... صدرت الأوامر للشرطة "بالضرب في المليان" .. وانهمر الرصاص الحي على المتظاهرين ... لكن زحف الجماهير لم يتوقف .. سقط العشرات من القتلى والمئات من الجرحى من الشعب الأعزل، لكنه أبى الاستسلام .. وفي النهاية .. انتصر. سيطر الشعب على مبنى البرلمان ومبنى الادعاء العام ومبنى التلفزيون في العاصمة بشكيك، وحاصروا القصر الرئاسي وقطعوا الطريق المؤدية إلى مطار المدينة، كما سيطروا على عدة مدن رئيسية ... نجحت "ثورة اليأس" – إذاً - في الإطاحة بالطاغية الذي فر إلى مسقط رأسه، واعتلى الشعب السلطة مرة أخرى، وانسحبت الشرطة تلملم جراحها ثم ما لبثت أن انحازت للشعب الحر فهي جزء منه، وبقي الجيش يحمي البلاد ولم يحم الطاغية، ونفض الغرب يده من عميله السابق حتى أعلنت السفارة الأمريكية أنها لن تحمي الطاغية ولن تساعده على الهرب، بل ولن تمنحه حق اللجوء السياسي !! اختلف المشهد الآن كثيراً عنه في بلادي ... فهل الأمر هنا متعلق بقرقيزيا بالذات؟ .. أبداً .. فعلى نفس الدرب سارت شعوب عديدة غير شعوب بلادي، فلم تكن هذه الثورة الشعبية الأولى في العالم، ولن تكون الأخيرة قطعاً في مسلسل الثورات الجماهيرية التي تتحكم في المشهد العام وتسقط الطغاة ... فرومانيا انتزعت عنها كابوس "شاوشيسكو" .. وكذلك أوكرانيا وجورجيا وغيرها .. وأذكر حين سقط "شاوشيسكو" سرت نكته في بلادنا تقول: "عقبال شاوشيسنا" .. ولكن هذه الأمنية الغالية – طبعاً - لم تتحقق. سألت زوجتي: لماذا تتحرك الجماهير في العالم لإسقاط الطغاة ولا تتحرك جماهير بلادي؟ .. نظرت إلي بتعجب وقالت: "الخوف" .. قلت: "لكن هذه البلاد أيضاً بها أجهزة أمنية باطشة نشرت الخوف في طول البلاد وعرضها" ... قالت: "فالفقر إذاً" .. قلت: "لكن الجماهير في بلادي فقيرة أيضاً ويعيش معظمها تحت خط الفقر" ... قالت: "قد يكون الجهل والغوغائية" ... قلت: "هل تعلمين أن 98.7% من الشعب القرقيزي يعرفون القراءة والكتابة؟" ... قالت في حيرة: "إن شعوبنا لا تثور" .. قلت: "صدقت .. ولكن لماذا؟". هل هي "جينات" موروثة تمنعنا من الثورة، أم هو الخوف من المستقبل والإيمان بالمثل القائل: "عصفور في اليد خير من ألف على الشجرة" ... أم هو عدم الثقة في أي بديل للحكم المستبد ... أم هو تصديق لما تروجه الحكومات المستبدة من تشويه لصورة المعارضة والمعارضين ... أم هي قابليتنا العجيبة للتأقلم مع الظلم والقهر والاستبداد ... حتى قال "احمد فؤاد نجم" (وآسف لأن الشعر باللهجة المصرية العامية): إذا الشعب صدَّى بفعل البارومة حاتعمل حسابه ف ايه الحكومة وهي اللي جاهزة بكرباج وشومة عشان لو في واحد في عقله اتخبط ***** تعيش مصر دايماً في عز و جمال يعيش المواطن شـديد الاحتمال و آمن تماما من الاشــــتعال و أقصى ما عنده ... ينكت فقط يجب أن أنهي هذا المقال بالتفاؤل .. فأقول: إني لأعتقد جازماً أن شعوبنا ما تزال حية، أما هذه الحالة من الهدوء والسكون التي تعتريها هذه الأيام، فلعله "الهدوء الذي يسبق العاصفة" .... وعلى كلٍ .. رغم أني لا أميل للعنف ولم أدع إليه يوماً .. وأؤمن تماماً بالتغير السلمي للفساد والطغيان ... غير أنه مازال في داخلي هاتف يهتف: "ليتني كنت قرقيزياً". د. أشرف نجم أبريل - 2010 | |
|