Admin Admin
عدد المساهمات : 415 تاريخ التسجيل : 08/08/2009 العمر : 53
| موضوع: السلطان والشيطان الخميس يناير 28, 2010 3:36 pm | |
| السلطان والشيطان
كان يا ما كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان جماعة من القطعان تسكن عربستان، وكانوا جماعة طيبة يحكمهم سلطان، وكانوا يحبونه لحد الهلع، فلا أحد يذكره إلا بتمجيد وتفخيم، وكل يوم في الصباح إن خرجوا للدوام قالوا: أرزقنا يا سلطان، وإثناء الطريق يرددون سبحان السلطان، وهكذا كانوا، فقد عاشوا في أمان على تقبيل يد السلطان.
ويحكى أن مجذوبا منهم خرج ذات ليلة إلى مكان بعيد، وفي وادي سحيق لم ير أحدا من القطعان، فقال في نفسه: هل يجوز أن أنتقد بساط السلطان؟!!
فهنا صرخ العسس من كل مكان: سقطت أيها النذل الحقير، ويل لك من غضب السلطان !!!
فجع المسكين، وتلعثم وردد:
سبحان السلطان ... أنا أحب السلطان ... انظروا مكتبتي كلها كتب عن فتوحاته وأمجاده ... انظروا بيتي كله صوره وهو نائم، وقائم، وماشي، وراكب، وفي الحمام .. انظروا سيارتي كلها تمائم باسم السلطان..
قال كبير عسس السلطان: لكن في نفسك شيء على بساط السلطان..
قال المجذوب: كلا وألف كلا، فأنا أقبل يده في الصورة صباحا، وأقبل قدمه في الليل كباقي القطعان..
قال: أنت تفكر في نقد مشاريع السلطان، وهذا خروج على دين الرحمن!
قال المجذوب: أنا كنت أفكر هل يمكن أن يجوز أن يباح أن أحاول حسب المقاصد الشرعية والمسائل المرعية والقوانين الدولية أن انتقد بساط السلطان..
قال العسس: أما قلتَ لك إنك عدو السلطان ... لقد بلغت بك النذالة لحد هذه الشجاعة، فالشجاعة تجلب الفقر، فهي أخت الكفر، .. ولقد أخبرنا رسولنا عليه السلام أنكم يا أولاد ذي الخويصرة عليكم لعائن الرحمن تخرجون في آخر الزمان ..
قال المجذوب: أليس من حقي كمواطن حرٍ أن أفكر في نقد بساط السلطان؟
صرخ في وجهي: أخرس، تقول حر؟؟!! .. ألم تسمع فتوى قاضي تبوكستان قحطان بن قحيطان الجبان الذي قال: أي تفكير في نقد مشروع السلطان كفر وردة وخسران وعصيان وارتكاس عن دين الديان، ومصير صاحبه إلى النيران..
قال المجذوب: يا سيدي ألم يخالف القاضي الجبان أحد من القطعان؟
قال: أبدا .. فالكل يحب السلطان، ورئيس العدل قرر ذلك، واستدل عليه من الزبور والإنجيل وكتب الرهبان..
قال المجذوب: هل صار سلطاننا كصاحب الزمان؟
فقال: بل هو فوقه، فهو في كل مكان، فمع النجوم والشجر والليل والنهار بل فوق المكان والزمان، وهو يمين الرحمن وظل المنان..
قال المجذوب: سيدي قبل أن تقتلوني، أجيبوني كيف عرفتم مكاني، واطلعتم على مكنوني..
فقال: السلطان في الشارع وفي الحمام وفي علب المناديل وبين الثياب، وفي كل مكان، وله ألف عين وعين، بل هو يلاحقنا حتى في الرؤى والأحلام!!!
قال المجذوب: سؤالي الأخير هل يمكن أن يموت السلطان؟؟
هنا هرب جميع عسس السلطان خوفا من أن تخسف بهم الأرض، أو يثور الطوفان..
ثم ظهر السلطان، وفي يده خنجر، وفوق رأسه قرنان، وأقترت شيئا فشيئا .....
قال المجذوب: لك المجد يا سلطان إنني عبد مطيع من ضمن القطعان ووالله لقد شربنا الذل وأكلنا المهانة ونمنا على الهوان، وإنّا والله نعبد الله ثم نعبدك، ولن نشقى مادمنا معك..
فقال السلطان: ولكنك حاولت أن تفكر في نقد بساط السلطان، وآخر فكرك هذا هو تحرير الإنسان، فلابد من قتلك، فقد خرجت عن خط القطعان..
قال المجذوب: قبل قتلي أجب عن سؤالي الذي جعل العسس يفرون كالجرذان، متى يموت السلطان..
فقال: إقرأ القرآن تعلم أني من المنظرين إلى يوم يبعثون..
ثم دوى في الوادي السحيق صرخة ألم ..
دفن هذا الأحمق المجذوب، وكتب على قبره: آخر الشجعان...
فأمر السلطان بحذفها، وكتابة "مات وهو سكران"..
ثم أصدر فرمانا: أي واحد يقذف أحد القطعان بالشجاعة يحد حد السكران، فالشجاعة سكرٌ، والسكر عمل ذميم وخلق رزيل..
قالت القطعان: عاش السلطان سبحان السلطان يحيا بساط السلطان المجد لسراويل السلطان، واللعنة على السكران..
وفي أحد الوديان، أنشد جان: وهل أفسد الدين إلا الملوك * وأحبار سوء ورهبانها
وسيبدأ مسلسل العصيان ... وسيبدأ تحرير الإنسان عبدالعزيز بن علي الحماد
-------------------------------------------------------------------------------- | |
|